ظهر مصطلح الحرب الهجينة في مطلع القرن الحادي والعشرين وتحديدا ابتداء من العام 2000. وهو يعني تبني استراتيجية أو استراتيجيات متعددة في الصراع لا تأخذ حصرا شكل الصراع العسكري المسلح.
و حسب البروفيسور أنطونيو ألونسو المختص في العلاقات الدولية في جامعة سان بابلو في مدريد فإنه “يمكن لدولة ما أن تستعمل وسائل لزعزعة استقرار دولة اخرى و أمنها الداخلي. وهي ليست وسائل عسكرية، بل يمكن أن تكون على سبيل المثال، هجمات سيبرانية أو استخدام مجموعات الذباب الإلكتروني في مواقع التواصل الاجتماعي للتشكيك في مصداقية موقف دولة معينة. وهذا ما يطلق عليه الحرب الهجينة”.
ويعتبر استخدام آليات مثل إثارة البلبلة، والهجرة، والأخبار المزيفة والتضليل الإعلامي جزءا من استراتيجيات المواجهة غير التقليدية حيث تعتبر الدعاية والإثارة من عواملها الأساسية.
باعتباري مراقبا للأحداث أكاد أقول جازما أن النظام المغربي يتبنى استراتيجية الحرب الهجينة في الصحراء الغربية منذ زمن ليس بالقصير. إلا أن الأحداث التي وقعت في الساعات الأخيرة في مخيمات اللاجئين الصحراويين تعتبر تجليا واضحا ملموسا لتطبيق الاحتلال لنظرية الحرب الهجينة في ساحة المعركة في الصحراء الغربية.
إن الاستهداف المتكرر لمؤسسات الدولة الصحراوية في مخيمات اللاجئين الصحراويين منذ زمن طويل، لا يمكن أن يكون صدفة، بل هو عمل ممنهج مقصود ينطلق من تصور واضح يسعى للنيل من هيبة الدولة وتبخيسها في وعي مواطنيها وإظهارها باعتبارها دولة فاشلة مهلهلة لا حول لها ولا قوة.
إنه استهداف للوعي الوطني، عبر تفكيك فكرة الدولة في أذهان الصحراويين وإظهارها باعتبارها مؤسسة عاجزة عن حماية نفسها مما سيدفع المواطنين للتساؤل عن قدرتها على حمايتهم وهي العاجزة عن حماية نفسها.
إن هذا الإجراء يدخل في صميم الحرب الهجينة، لأنه يستخدم آليات غير تقليدية في إطار حرب لم يعد فيها النزاع العسكري هو العصب المركزي في الصراع بين الأطراف بل صار استراتيجية من ضمن استراتيجيات أخرى.
لقد قلت في مقال سابق بعنوان “جدلية الوعي والوعي الزائف في ساحة الصراع في الصحراء الغربية” أن نظام الاحتلال المغربي جاد إلى حد كبير في حرب الوعي التي يستهدف عبرها وعي الصحراويين، في أفق تفكيك الوعي الوطني الجامع وتعويضه بالوعي ما قبل الوطني حيث سيكون الولاء للعشيرة والقبيلة والعائلة أولى من الولاء للدولة الوطنية الجامعة، وهذا يعتبر السم القاتل الذي سيقضي نهائيا على المشروع الوطني الصحراوي الذي تقوده الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.
لم يعد النظام المغربي في حاجة لإعلان الحرب كما كان الأمر في الحرب التقليدية، بل هو يشن الحرب ضد الصحراويين عبر تنويع استراتيجيات وأشكال المواجهة في أي وقت و في أي مكان. بل إن الحرب العسكرية التقليدية بالنسبة له لم تعد هي الأساسية والعمود الفقري لعقيدته الحربية، لأنه يقود الحرب وفقا لدينامية جديدة تأخذ أوجها و أشكالا عدة لعل أحد تجلياتها ما حدث اليوم بمخيمات اللاجئين الصحراويين و ما حدث قبل ذلك وفي مناسبات مختلفة.
*عامل الوقت جزء أساسي من الحرب الهجينة و إستخدام العنصر الصحراوي أمر أساسي لربح المعركة و درجة وعي المسيرين و أصحاب الشأن و خطوات و سبل الردع و الوقوف أمام تفشي الظاهرة يحتاج لكثير من الفطنة و التعقل و الحكمة و معرفة طرق التعامل مع المكونات الإجتماعية للمجتمع؛ و إلا فإن عملية الفرق بين الفاعل الداخلي و الخارجي مربكة و صعبة و ستختلط الأمور إلى درجة لم يعد التمييز و التفريق بين العدؤ و الصديق ماكن.*
بقلم: ناجي محمد منصور